اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
72859 مشاهدة
الرد على من أنكر طلوع الشمس وغروبها

ثم هذا كله يرد على هؤلاء الذين يدعون أن الشمس أعظم من الأرض، وأنها أكبر من الأرض بكذا وكذا ألف مرة، ثم يستبعدون أنها تجري، وأنها تطلع وتغرب، فيستنكرون طلوعها وغروبها، قد ذكر الله تعالى طلوعها وغروبها، كما قال تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ إذا طلعت تزاور، وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فأثبت أنها تطلع وتزاور وتغرب وتقرض، ويقول الله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ثم قال: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا فأثبت أنها تغرب وأنها تطلع، وكل ذلك دليل على أنها مُسَيَّرَةٌ، وأنها جارية، تجري كما يجريها الله تعالى، وتسير تقطع هذه المسافة بسرعة لا يعلم قدرها إلا الذي سيرها. هذا هو الذي يشاهده كل مخلوق، ويعرفه ويعتبره.
وجاء هؤلاء الذين سموا أنفسهم أهل الهيئة أو علماء الهيئة، وادعوا أنها لا تجاوز مكانها، وأنها معلقة لا تتحرك، ولا تتجاوز مكانها! ولا شك أن هذا إنكار لما أخبر الله به، من طلوعها وغروبها، وإنكار أيضا لما هو مشاهد ومعقول، من أنها نشاهدها مجتمعة بالقمر، ونشاهدها وبينهما ما بين المشرق والمغرب، لا شك أن هذا دليل على أنهما سائران، يسيران كما سَيَّرَهُمَا الله، وكذلك أيضا هذه النجوم، نشاهد بعض النجوم تطلع من المشرق، ثم في كل يوم يزداد ارتفاعها، ثم تبدأ في الانخفاض- كنجم الزهرة- الذي يرتفع في الصبح إلى أن يقطع نحو ربع المسافة، ثم يبدأ ينحدر وينزل إلى أن يغيب.
وكذلك أيضا نشاهد القطب الشمالي الذي يستدير حول بعضه، هذا القطب الذي هو الجدي الشمالي، يشاهد أنه ثابت، وأن الفرقدين نجمان مضيئان يدوران حوله، يستديران حوله لا يتجاوزانه، دليل على أنه ثابت في هذه الجهة، لا شك أن هذا كله دليل على أن هذه السماء ثابتة، وأن النجوم منها ما يسير فيقطع الفلك، ومنها ما لا يقطعه؛ بل يطلع ثم يغرب، ومنها ما يدور حول نفسه كالفرقدين وما أشبه ذلك. فيعتقد المسلم صحة ما جاءت به هذه النصوص، ويصدق بما هو مشاهد معقول من هذه الأفلاك، التي هي أفلاك سائرة جارية، كما سيرها الله تعالى، وتجري بأمره، قال الله تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يجري، الجريان هو السير.
أثبت الله أن كُلا يجري، كما أخبر أيضا بأن السفينة تجري، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ الْفُلْكُ: هي السفن، تجري في البحر، فهل معنى كونها تجري: أنها تستدير حول نفسها كما تستدير المروحة السقفية الكهربائية ؟! لا شك أن جريان السفينة: سيرها من قُطر إلى قطر، من جهة إلى جهة، قد تسير في البحر شهرا، أو أشهرا وهي تمشي في هذا البحر، في لجة البحر، تسيرها الرياح، قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ .
إذا شاء الله وسكنت الريح بقيت هذه السفن راكدة لأنها إنما تجري بالرياح. فكل هذا دليل على أن الجريان الذي أثبته الله للشمس والقمر أنه سَيْرُهُمَا، كما أخبر الله، أنهما يسيران، وسير الشمس أسرع من سير القمر، وسير النجوم أسرع من سير الشمس، وكلها جارية بأمر الله تعالى. فهذا اعتقاد المسلمين في هذه الأفلاك، ويعرف بذلك المسلم أنها من آيات الله تعالى الكونية التي نصبها ليستدل بها العباد على كمال قدرة الخالق.