لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
73488 مشاهدة
الرد على من أنكر طلوع الشمس وغروبها

ثم هذا كله يرد على هؤلاء الذين يدعون أن الشمس أعظم من الأرض، وأنها أكبر من الأرض بكذا وكذا ألف مرة، ثم يستبعدون أنها تجري، وأنها تطلع وتغرب، فيستنكرون طلوعها وغروبها، قد ذكر الله تعالى طلوعها وغروبها، كما قال تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ إذا طلعت تزاور، وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فأثبت أنها تطلع وتزاور وتغرب وتقرض، ويقول الله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ثم قال: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا فأثبت أنها تغرب وأنها تطلع، وكل ذلك دليل على أنها مُسَيَّرَةٌ، وأنها جارية، تجري كما يجريها الله تعالى، وتسير تقطع هذه المسافة بسرعة لا يعلم قدرها إلا الذي سيرها. هذا هو الذي يشاهده كل مخلوق، ويعرفه ويعتبره.
وجاء هؤلاء الذين سموا أنفسهم أهل الهيئة أو علماء الهيئة، وادعوا أنها لا تجاوز مكانها، وأنها معلقة لا تتحرك، ولا تتجاوز مكانها! ولا شك أن هذا إنكار لما أخبر الله به، من طلوعها وغروبها، وإنكار أيضا لما هو مشاهد ومعقول، من أنها نشاهدها مجتمعة بالقمر، ونشاهدها وبينهما ما بين المشرق والمغرب، لا شك أن هذا دليل على أنهما سائران، يسيران كما سَيَّرَهُمَا الله، وكذلك أيضا هذه النجوم، نشاهد بعض النجوم تطلع من المشرق، ثم في كل يوم يزداد ارتفاعها، ثم تبدأ في الانخفاض- كنجم الزهرة- الذي يرتفع في الصبح إلى أن يقطع نحو ربع المسافة، ثم يبدأ ينحدر وينزل إلى أن يغيب.
وكذلك أيضا نشاهد القطب الشمالي الذي يستدير حول بعضه، هذا القطب الذي هو الجدي الشمالي، يشاهد أنه ثابت، وأن الفرقدين نجمان مضيئان يدوران حوله، يستديران حوله لا يتجاوزانه، دليل على أنه ثابت في هذه الجهة، لا شك أن هذا كله دليل على أن هذه السماء ثابتة، وأن النجوم منها ما يسير فيقطع الفلك، ومنها ما لا يقطعه؛ بل يطلع ثم يغرب، ومنها ما يدور حول نفسه كالفرقدين وما أشبه ذلك. فيعتقد المسلم صحة ما جاءت به هذه النصوص، ويصدق بما هو مشاهد معقول من هذه الأفلاك، التي هي أفلاك سائرة جارية، كما سيرها الله تعالى، وتجري بأمره، قال الله تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يجري، الجريان هو السير.
أثبت الله أن كُلا يجري، كما أخبر أيضا بأن السفينة تجري، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ الْفُلْكُ: هي السفن، تجري في البحر، فهل معنى كونها تجري: أنها تستدير حول نفسها كما تستدير المروحة السقفية الكهربائية ؟! لا شك أن جريان السفينة: سيرها من قُطر إلى قطر، من جهة إلى جهة، قد تسير في البحر شهرا، أو أشهرا وهي تمشي في هذا البحر، في لجة البحر، تسيرها الرياح، قال الله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ .
إذا شاء الله وسكنت الريح بقيت هذه السفن راكدة لأنها إنما تجري بالرياح. فكل هذا دليل على أن الجريان الذي أثبته الله للشمس والقمر أنه سَيْرُهُمَا، كما أخبر الله، أنهما يسيران، وسير الشمس أسرع من سير القمر، وسير النجوم أسرع من سير الشمس، وكلها جارية بأمر الله تعالى. فهذا اعتقاد المسلمين في هذه الأفلاك، ويعرف بذلك المسلم أنها من آيات الله تعالى الكونية التي نصبها ليستدل بها العباد على كمال قدرة الخالق.